ناج من المحرقة النازية لا يزال يناضل رغم بلوغه 90 عاما من أجل حفظها من النسيان

صورة للمعبد اليهودي في لير، الذي تم تدميره عام 1938، على جدار شقة الناجي من المحرقة ألبريشت فاينبرج في ألمانيا. Sina Schuldt/dpa

لير (ألمانيا) 17 نيسان/أبريل (د ب أ) – لا يزال يمكن رؤية الرقم 116927 منقوشا على الذراع اليسرى لألبريشت فاينبرج، على الرغم من مرور 80 عاما عليه.
ويرى ألبريشت فاينبرج هذا الوشم الذي خبا لونه قليلا، عندما يستيقظ من نومه كل صباح، وتستيقظ معه ذكريات معتقل أوشفيتز النازي.

ويقول الرجل الذي يبلغ من العمر 99 عاما، "لا يمكن تصديق أن مثل هذه الوقائع حدثت بالفعل، متذكرا أحداث المحرقة عندما قتل النظام النازي بألمانيا بشكل منتظم، أكثر من ستة ملايين يهودي في أوروبا، بالإضافة إلى أعداد كثيرة من الأقليات والمعارضين.

وتم دق وشم الرقم على ذراع فاينبرج لتمييزه عن الآخرين، عندما تم ترحيله في نيسان/أبريل 1943 إلى معتقل أوشفيتز، أكثر معسكرات الاعتقال النازية شهرة في سوء السمعة، وبعد أن نجا من الاضطهاد المرعب للنازي الذي لا يمكن وصفه، هاجر إلى الولايات المتحدة غير أنه عاد مرة أخرى فيما بعد، إلى بلدة لير الكائنة في الشمال الغربي من ألمانيا.

وظل صامتا لفترة طويلة لا يتكلم عن الأهوال التي عايشها، ولكنه أصبح الآن واحدا من القلة من الباقين على قيد الحياة الناجين من المحرقة، والقادرين على أن يحكوا ما مروا به من أحداث مؤلمة.

وبالاشتراك مع صحفي من مجلة شتيرن الألمانية، كتب فاينبرج قصة حياته وأصدرها في كتاب، تحت عنوان "حتى لا تخبو الذاكرة مثل الرقم المنقوش على ذراعي".

ويحكي في الكتاب كيف بدأ تيار معاداة السامية، ينتشر في إقليم فريزيا بالشرق الألماني الذي نشأ وعاش فيه والكائن على الحدود مع هولندا، وذلك في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، قبل أن يصل النازيون إلى السلطة في عام 1933.

وشيئا فشيئا وجد أفراد عائلته اليهودية أنفسهم يتعرضون للتهميش، في الحياة العامة بدرجات متزايدة، إلى أن مزقت مذابح تشرين الثاني/نوفمبر 1938 التي تعرض لها اليهود العائلة إلى الأبد.

قضى النظام النازي بالكامل تقريبا على عائلة فاينبرج، قتل أبويه وأعمامه وأخواله وخالاته وأبناء عمومته ونجا هو فقط وشقيقاه.

ونجح فاينبرج بطريقة ما في اجتياز ثلاثة معسكرات اعتقال، بالإضافة إلى عدة مسيرات للموت التي كانت شائعة، في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، عندما بدأت قوات النازي في التراجع أمام قوات الحلفاء المقتربة.

ويقول نيكولاس بوشيس الصحفي بمجلة شتيرن، إن قصة حياة فاينبرج تعبر عن واحدة من الاتجاهات الزاحفة لتجريد المجتمع من إنسانيته، وهي عملية يرى كثيرون إنها بدأت في الظهور مرة أخرى في ألمانيا اليوم، وعلى سبيل المثال مع صعود نجم حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف من خلال صناديق الاقتراع، أو في الزيادة الأكثر وضوحا بشكل عام في الخطابات المعادية للمهاجرين.

ويضيف بوشيس "إذا استمعت إلى ذكريات فاينبرج، فيمكنك أن تكتسب القدرة على التعرف على هذه العلامات المنذرة بشكل أكثر دقة".

وبرغم العذاب الذي مر به فاينبرج فإن ذاكرته ما زالت جلية كالبلور، وعلى سبيل المثال دقة ما يحكيه عن تحرير معسكر اعتقال بيرجن-بلسن.

ويحكي أنه عندما حرر الجنود البريطانيون هذا المعسكر في 15 نيسان/أبريل 1945، كان أقرب للموت منه للحياة، وكانت تحيط به أكوام من الجثث وانخفض وزنه إلى 29 كيلوجراما فقط، ويقول "ثم جاءت الدبابات، وخطر بذهني أنهم سيحررونني، ولم نكن نعتقد أبدا بأننا سيفرج عنا، بل كنا نعتقد أن النازيين سيقتلوننا جميعا رميا بالرصاص".

ويوضح فاينبرج أن إجمالي الوفيات في معسكر الاعتقال فور تحريره بلغ نحو 52 ألفا، إضافة إلى قرابة 20 ألف وفاة في معسكر مجاور لأسرى الحرب، ونجا فاينبرج وشقيقاه فريدل وديتر من تلك الفظائع.

وبعد عملية التحرير عثر الأشقاء الناجون على بعضهم بعضا مرة أخرى، ولكن لم يسعفهم القدر طويلا ليظلوا مجتمعين معا، فقد توفى ديتر في حادث عام 1946.

ثم هاجر فاينبرج مع فريدل إلى نيويورك عام 1947 لبدء حياة جديدة، وكانا وقتذاك في أوائل العشرينيات من عمرهما، وداخلهما شعور مؤكد بأنهما لن يعودا إلى ألمانيا أبدا مرة أخرى، ويقول فاينبرج " لم نكن نريد على الإطلاق أن نرى ألمانيا أو نسمع عنها شيئا مرة أخرى".

ومر نحو 40 عاما قبل أن يضعا قدميهما مرة أخرى على الأرض الألمانية، التي مزقت عائلتهما إربا، وعادا إلى ألمانيا في زيارة بدعوة من مدينة لير عام 1985.

وأعقب ذلك زيارات أخرى بشكل سريع، وبدأت أواصر الصداقة تتشكل ببطء.

وعندما بدأت الحالة الصحية لفريدل تتدهور عام 2012، قررا أخير العودة بشكل نهائي إلى ألمانيا.

وظل فاينبرج بجوار شقيقته فريدل إلى أن فارقت الحياة، في دار لرعاية المسنين بعد وقت قصير من وصولهما.

ومنذ ذلك الحين واظب فاينبرج بدون كلل، في تدوين قصة حياته وتجاربه وظل إلى وقت قريب، يزور المدارس بانتظام ليعرف الطلاب بتجربة الإبادة التي عاناها.

ويقول "إنني أرى انني أفعل شيئا جيدا عن طريق جعل الطلاب يعلمون، ما الذي يمكن أن يتعرضوا له وما يمكن أن يحدث لمستقبلهم".

وهو يرى أن جميع الأحداث التي تقع اليوم، من الصعب أن يتحملها ناج من المحرقة.

(د ب أ) ض ح / ب ت 17 /4/2924

قتل النظام النازي الألماني بشكل منهجي أكثر من 6 ملايين يهودي في جميع أنحاء أوروبا، بالإضافة إلى العديد من الأقليات والمنشقين الآخرين. وبالعودة إلى الوراء، يقول ألبريشت فاينبرج أحد الناجين من الهولوكوست: "إنه أمر لا يصدق أن شيئًا كهذا قد حدث بالفعل". Sina Schuldt/dpa

© Deutsche Presse-Agentur GmbH