الباحثة أرميدا ريج: استمرار اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي قد يهدد أهدافه السياسية الخارجية

A worker assembles gas pipelines for the planned LNG liquefied natural gas floating terminal. Marcus Brandt/dpa

(مع صورة من د.ب.أ)

لندن 18 حزيران/يونيو (د ب أ) - على الرغم من المحاولات المستمرة من جانب الاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، يشير الواقع إلى استمرار هذا الاعتماد بشكل يعرض التكتل لمخاطر عديدة. من بين هذه المخاطر، تعقيد الجهود الرامية إلى فرض عقوبات فعالة على روسيا والحد من قدرتها على تمويل الحرب في أوكرانيا.

وقالت الباحثة أرميدا فان ريج في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) إن إيطاليا التي استضافت قمة مجموعة السبع الأسبوع الماضي، عادت إلى دائرة الضوء. وتسعى رئيسة وزرائها، جورجا ميلوني، إلى ترسيخ نفسها كقائدة بناءة تجمع بين دعمها للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، في تناقض صارخ مع موقفها المؤيد لروسيا قبل وصولها إلى السلطة.

وكانت نقطة ضعف علاقة إيطاليا بروسيا تكمن في الغاز الروسي. وعلى غرار بقية أوروبا، كانت إيطاليا تعتمد بشكل كبير على واردات الغاز الروسي قبل عام 2022، حيث شكلت ما يصل إلى 40% من إمدادات الطاقة لديها.

وتقول فان ريج ىئيسة برنامج أوروبا بمعهد تشاتام هاوس إنه تماشيا مع العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، اتخذت إيطاليا خطوات كبيرة لتقليل وارداتها المباشرة من الطاقة من روسيا. ومع ذلك، على الورق، قد يبدو أن إيطاليا قد قللت من اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي المنقول عبر الأنابيب، لكنها لا تزال تتلقى كميات كبيرة من الغاز المنقول عبر الأنابيب من خلال النمسا، التي زادت وارداتها من الغاز المنقول عبر الأنابيب من روسيا من 80% إلى 98% في العامين الماضيين.

وهناك قصة مماثلة في مكان آخر، إذ قامت رئيسة المفوضية الأوروبية الحالية، أورسولا فون دير لاين، بإبرام صفقات لاستيراد الغاز من أذربيجان، على الرغم من أن أجزاء من البنية التحتية الحيوية اللازمة لنقل هذا الغاز إلى الاتحاد الأوروبي مملوكة لشركة لوك أويل، وهي شركة طاقة روسية مدرجة في قائمة العقوبات الأمريكية. ولتلبية الطلب المتزايد على الغاز في الاتحاد الأوروبي، أبرمت أذربيجان بدورها صفقة مع روسيا لزيادة الواردات لتلبية الطلب المحلي الأذربيجاني.
وفي الوقت نفسه، قامت رومانيا والمجر، وهما عضوان في الاتحاد الأوروبي، بإبرام صفقات غاز مع تركيا، وهي دولة تعتمد بشكل كامل على واردات الغاز لتلبية احتياجاتها المحلية.

وتتساءل فان ريج من أين يأتي الغاز المنقول عبر الأنابيب إلى تركيا إذن؟ وتقول إن الجواب الأكثر احتمالا هو روسيا. والقصة تبدو أقل تشجيعا عندما يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي المسال الروسي. وتُظهر بيانات من معهد بروجيل أن واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال من روسيا قد زادت بنسبة 7ر37% بين عامي 2021 و2023.

وفي بعض الحالات، مثل النمسا وفرنسا، تجد الدول نفسها ملتزمة بعقود طويلة الأجل مع مزودي الطاقة الروس، والتي يصعب إنهاؤها مبكرا، رغم المحاولات الجارية. وفي حالات أخرى، يتم تهريب الغاز الروسي عبر أذربيجان وتركيا لتلبية الطلب الأوروبي المستمر والمرتفع.

وترى فان ريج أن الرد الأوروبي على الغزو الروسي لأوكرانيا والمحاولات الفورية للحد من الاعتماد على الطاقة الروسية وتنويعها مثيرة للإعجاب.، لكنها غير كافية.

ويجد صانعو السياسات أنفسهم في موقف يحتم عليهم الموازنة بين حاجات أمن الطاقة وأهداف السياسة الخارجية، مع الحفاظ على التكاليف عند مستويات قابلة للإدارة. ويظهر الواقع السياسي أنه من الصعب للغاية على الدول الأوروبية تنويع إمداداتها من الطاقة بالكامل، خاصة وأن العديد منها يواجه بالفعل تضخما عاليا وأزمة تكاليف المعيشة.

وفي الوقت نفسه، تتمثل أهداف السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في وضع حد للحرب الروسية ضد أوكرانيا من خلال زيادة صعوبة قدرة روسيا على استمرار تمويل هذه الخرب. ويتضمن ذلك الأرباح التي تولدها صناعتها في مجال الطاقة، سواء من خلال الدعم الحكومي أو الضرائب المدفوعة للدولة الروسية.

والاعتبار الآخر هو أنه كلما استمرت دول الاتحاد الأوروبي في الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال الروسي ، كلما طالت مدة نفوذ روسيا على الاتحاد الأوروبي. وفي حين أن إنهاء روسيا لصادرات الغاز الطبيعي المسال إلى دول الاتحاد الأوروبي لن يكون مدمرا كما هو الحال عندما قطعت غاز خط الأنابيب ، إلا أنه لا يزال يمثل خطرا مع ذلك.

وتقول فان ريج إن التخطيط لإنهاء اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال الروسي على المدى القصير يمنح الاتحاد الأوروبي سلطة صنع القرار والوقت للتخطيط للبدائل. لكن الاتحاد الأوروبي منقسم حول هذه القضية. ودعت دول الشمال الأوروبي ودول البلطيق إلى فرض حظر على الواردات، في حين تقول بلجيكا وفرنسا وإسبانيا، أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال الروسي في الاتحاد الأوروبي، إن هذا لا يمكن القيام به بسبب العقود. كما أنهما قلقتان بشأن أمن الطاقة.

وتتساءل فان ريج : كيف يمكن أن تبدو سياسة أمن الطاقة البراجماتية وطويلة الأجل والمستدامة في الاتحاد الأوروبي؟ يقول البعض إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يفرض حظرا على الغاز الطبيعي المسال الروسي تماما ، وأنه يمكنه القيام بذلك دون تعطيل الإمدادات من خلال ضمان مرافق تخزين كافية.
وتتمثل الخطوة الأولى في مساعدة دول الاتحاد الأوروبي التي لا تزال تعتمد على الغاز الروسي لتنويع وارداتها من الطاقة. وهذا يتطلب بنية تحتية. وسيسمح التمويل المتفق عليه مؤخرا لخط أنابيب النمسا-ألمانيا للنمسا باستيراد ما يقرب من ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال على طول الساحل الألماني.

ولابد أيضا من جعل هذا الاتفاق صارما من خلال التشريعات والعقود، في حالة وصول حزب الحرية النمساوي الصديق لبوتين إلى السلطة بعد الانتخابات النمساوية في أيلول/سبتمبر والسعي إلى عكس مسار هذا الاتفاق. لكن هذا لن يؤدي إلا إلى مساعدة النمسا على التحول من غاز خطوط الأنابيب إلى الغاز الطبيعي المسال.

والخطوة الثانية هي ضمان تنوع العرض. وإذا كان اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي قد أثبت أي شيء، فهو خطر الاعتماد المفرط على مصدر وحيد للطاقة.

وتقول فان ريج إن الاتحاد الأوروبي يستورد الآن أكثر من 50% من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، وربما يشكل هذا استراتيجية محفوفة بالمخاطر إذا عاد دونالد ترامب للسلطة مرة أخرى وقاد فترة أكثر حمائية وتقلبا من ولايته الأولى. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أيضا أن يكون هذا خطرا تحت إدارة بايدن الذي أوقف مؤخرا توسيع محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة.

والمورد الآخر المهم هي النرويج، ولكنها تعمل بالفعل بطاقتها القصوى.

والخيار الوحيد هو البحث عن موردين جدد.

كل هذا يبرز ضرورة تسريع الانتقال إلى الطاقة الخضراء وتنفيذ حزمة "Fit For 55" للاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن ذلك قد يكون أصعب الآن نظرا للمزاج السياسي في أوروبا بعد نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة.

وإذا قرر الاتحاد الأوروبي حظر استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي، يجب أن ينظر أيضا بعناية إلى دول المنشأ لغاز خطوط الأنابيب أو الغاز الطبيعي المسال البديل. فاستيراد الغاز الروسي عبر طرق ملتوية لن يساعد الاتحاد الأوروبي في تحقيق أهدافه السياسية الخارجية، بل يمكن أن يؤدي إلى تقويضها.

© Deutsche Presse-Agentur GmbH